فصل: قال ابن عطية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
قوله جلّ ذكره: {وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا}.
لو ساعدته المشيئة بالسعادة الأزلية لم تَلْحَقْه الشقاوةُ الأبدية، ولكن من قصمته السوابق لم تنعشه اللواحق.
قوله جلّ ذكره: {وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ}.
إذا كانت مساكنةُ آدم للجَنَّةِ وَطمعُه في الخلود فيها أوجبا خروجَه عنهان فالركونُ إلى الدنيا- متى يوجِب البقاءَ فيها؟.
قوله جلّ ذكره: {وَاتَّبَعَ هَوَاهُ}.
موافقة الهوى تُنْزِلُ صاحبَها من سماءِ العِزِّ إلى تراب الذُّل، وتلقيه في وهدة الهوان؛ ومن لم يُصَدِّقِ عِلْمًا فعن قريبٍ يقاسيه وجودًا.
قوله جلّ ذكره: {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الكَلْبِ}.
من أخلاق الكلب التعرُّضُ لِمَنْ لم يُخِفْه على جهة الابتداء، ثم الرضاء عنه بلقمة.. كذلك الذي ارتدَّ عن طريق الإرادة يصير ضيق الصدر، سيئ الخُلُق، يبدأ بالجفاء كُلَّ بريءٍ، ثم يهدأ طياشة بِنَيْل كُلِّ عَرَضٍ خسيس.
قوله جلّ ذكره: {إن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ القَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ القَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}.
المحجوب عن الحقيقة عنده الإساءةُ والإحسانُ سيان، فهو في الحالين: إمَّا صاحب ضَجَر أو صاحب بَطَر، لا يحمل المحنة إلا زوال الدولة، ولا يقابل النعمة إلا بالنهمة، فهو في الحالين محجوبٌ عن الحقيقة.
ويقال الكلب نجاسته أصلية، وخساسته كلية، كذلك المردوده في الصفة؛ له نقصان القيمة وحرمان القسمة. اهـ.

.قال التستري:

وقوله تعالى: {وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا} [176] يعني بلعام بن باعوراء، {ولكنه أَخْلَدَ إِلَى الأرض واتبع هَوَاهُ} [176] وأعرض لمتابعة هواه، وأن الله تعالى قسم الأعضاء في الهوى لكل عضو حظًا منه، فإذا مال عضو من أعضائه إلى الهوى يرجع ضره إلى القلب.
واعلموا أن للنفس سرًا ما ظهر ذلك السر على أحد من خلقه إلاَّ على فرعون {فَقَالَ أَنَاْ رَبُّكُمُ الأعلى} [النازعات: 24].
فقال: كيف نسلم من الهوى؟ فقال: من ألزم نفسه الأدب سلم منه، فإنه من قهر نفسه بالأدب عبد الله عزَّ وجلَّ بالإخلاص.
قال: وللنفس سبع حجب سماوية، وسبع حجب أرضية، فكلما يدفن العبد نفسه أرضًا سما قلبه سماء، فإذا دفن النفس تحت الثرى وصل القلب إلى العرش.
وقد حكي عن كهمس أنه كان يصلي كل يوم وليلة ألف ركعة، وكان يسلم بين كل ركعتين، ثم يقول لنفسه: قومي يا مأوى كل شر ما رضيت عنك. اهـ.

.تفسير الآية رقم (177):

قوله تعالى: {سَاءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَأَنْفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ (177)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

.قال البقاعي:

ولما ظهر بهذا أن مثل الكلب الذي اكتسب من ممثوله من السوء والقذارة ما لا يعلمه حق علمه إلا الله تعالى مثل المكذبين بالآيات، أنتج ذلك قوله تأكيدًا لذمهم وزجرهم: {ساء مثلًا القوم} أي مثل القوم {الذين كذبوا بآياتنا} أي فلو لم يكن عليهم درك في فعلهم أن لا تنزل هذا المثل عليهم لكان أعظم زاجرًا له أدنى مروءة، لأنهم نزلوا عما لمن يتبعها من العظمة إلى ما ظهر بهذا المثل من الخسة، فكيف وهم يضرون أنفسهم بذلك ولا يضرون إلا إياها، وذلك معنى قوله: {وأنفسهم} أي خاصة {كانوا يظلمون} أي كان ذلك في طبعهم جبلة لهم، لا يقدر غير الله على تغييره. اهـ.

.قال الفخر:

{سَاءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَأَنْفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ (177)}.
اعلم أنه تعالى لما قال بعد تمثيلهم بالكلب {ذلك مَثَلُ القوم الذين كَذَّبُواْ بئاياتنا} وزجر بذلك عن الكفر والتكذيب أكده في باب الزجر بقوله تعالى: {سَاء مَثَلًا}. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{سَاء مَثَلًا} وفيه مسائل:
المسألة الأولى:
قال الليث: ساء يسوء فعل لازم ومتعد يقال: ساءت الشيء يسوء فهو سيء إذا قبح وساءه يسوءه مساءة.
قال النحويون: تقديره ساء مثلًا، مثل القوم انتصب مثلًا على التمييز لأنك إذا قلت ساء جاز أن تذكر شيئًا آخر سوى مثلًا، فلما ذكرت نوعًا، فقد ميزته من سائرالأنواع وقولك القوم ارتفاعه من وجهين: أحدهما: أن يكون مبتدأ ويكون قولك ساء مثلًا خبره والثاني: أنك لما قلت ساء مثلًا.
قيل لك: من هو؟ قلت القوم، فيكون رفعه على أنه خبر مبتدأ محذوف.
وقرأ الجحدري: ساء مثل القوم.
البحث الثاني: ظاهر قوله: {سَاء مَثَلًا} يقتضي كون ذلك المثل موصوفًا بالسوء، وذلك غير جائز، لأن هذا المثل ذكره الله تعالى، فكيف يكون موصوفًا بالسوء، وأيضًا فهو يفيد الزجر عن الكفر والدعوة إلى الإيمان، فكيف يكون موصوفًا بالسوء، فوجب أن يكون الموصوف بالسوء ما أفاده المثل من تكذيبهم بآيات الله تعالى وإعراضهم عنها، حتى صاروا في التمثيل بذلك بمنزلة الكلب اللاهث.
أما قوله تعالى: {وَأَنفُسَهُمْ كَانُواْ يَظْلِمُونَ} فإما أن يكون معطوفًا على قوله: {كَذَّبُواْ} فيدخل حينئذ في حيز الصلة بمعنى الذين جمعوا بين التكذيب بآيات الله وظلم أنفسهم، وإما أن يكون كلامًا منقطعًا عن الصلة بمعنى وما ظلموا إلا أنفسهم بالتكذيب، وإما تقديم المفعول، فهو للاختصاص كأنه قيل وخصوا أنفسهم بالظلم وما تعدى أثر ذلك الظلم عنهم إلى غيرهم. اهـ.

.قال الثعلبي:

{سَاءَ مَثَلًا} أي بئس المثل مثلًا حال من المثل المضمر.
كما قال جرير:
فنعم الزاد زاد أبيك زادًا

هذا إذا جعلت {ساء} من فعل المثل ورفعت القوم بدلًا من الضمير فيه. وإن حولت فعله إلى القوم ورفعتهم به كان انتهاء به على التمييز، يريد سأمثل القوم فلما حولته إليهم خرج المثل مفسّرًاكما يقال: قربه عينًا وضاق ذرعًا، متى ما سقط التنوين عن المميز المخفض بالإضافة دليله قراءة الجحدري والأعمش سأمثّل القوم بالاضافة، وقال أبو حاتم: يريد بها {مثلًا} مثل القوم فحذف مثل.
وأقام القوم به أُمّة فرفعهم كقوله: {وَسْئَلِ القرية} [يوسف: 82]. اهـ.

.قال ابن عطية:

قوله: {ساء مثلًا}.
قال الزجاج: التقدير ساء مثلًا مثل القوم، لأن الذي بعد بئس ونعم إنما يتفسر من نوعه، كما تقول بئس رجلاَ زيد، ولما انحذف مثل أقيم القوم مقامه، والرفع في ذلك بالابتداء والخبر فيما تقدم، وقرأ الجحدري {ساء مثلُ القوم}، ورفع مثل على هذه القراءة ب {ساء}، ولا تجري {ساء} مجرى بئس إلا إذا كان ما بعدها منصوبًا، قال أبو عمرو الداني: قرأ الجحدري {مِثلُ} بكسر الميم ورفع اللام، وقرأ الأعمش {مَثَلُ} بفتح الميم والثاء ورفع اللام.
قال القاضي أبو محمد: وهذا خلاف ما ذكر أبو حاتم فإنه قال: قرأ الجحدري والأعمش {ساء مثلُ} بالرفع. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {ساء مثلًا}.
يقال: ساء الشيء يسوء: إذا قَبُح، والمعنى: ساء مثلًا مثل القوم، فحُذِف المضاف، فنُصب {مثلًا} على التمييز.
قوله تعالى: {وأنفسَهم كانوا يظلمون} أي: يضُرُّون بالمعصية. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله: {سَاءَ مَثَلًا القوم}.
يقال: ساء الشيءُ قَبُح، فهو لازم، وساء يسوء مَساءة، فهو متعَدٍّ؛ أي قَبُح مَثَلُهم.
وتقديره: ساء مَثَلًا مَثَلُ القوم؛ فحذف المضاف، ونصب {مثلًا} على التمييز.
قال الأخفش: فجُعِل المثلُ القومَ مجازًا.
والقوم مرفوع بالابتداء أو على إضمار مبتدأ.
التقدير: ساء المثل مثلًا هو مثل القوم.
وقدّره أبو عليّ: ساء مثلًا مثلُ القوم.
وقرأ عاصم الجَحْدرِيّ والأعمش {ساء مثل القوم} رفع مثلًا بساء. اهـ.

.قال أبو حيان:

{ساء مثلًا القوم الذين كذبوا بآياتنا}.
{ساء} بمعنى بئس وتقدم لنا أن أصلها التعدّي تقول: ساءني الشيء يسوءني ثم لما استعملت استعمال بئس بنيت على فعل وجرت عليها أحكام بئس و{مثلًا} تمييز للضمير المستكنّ في ساء فاعلًا وهو مفسر بهذا التمييز وهو من الضمائر التي يفسرها ما بعدها ولا يثنّي ولا يجمع على مذهب البصريين وعن الكوفيين خلاف مذكور في النحو ولابد أن يكون المخصوص بالذمّ من جنس التمييز فاحتيج إلى تقدير حذف أما في التمييز أي ساء أصحاب مثل القوم وأما في المخصوص أي ساء مثلًا مثل القوم وهذه الجملة تأكيد للجملة السابقة، وقال أبو عبد الله الرازي ظاهره يقتضي أن يكون ذلك المثل موصوفًا بالسوء وذلك غير جائز لأن هذا المثل ذكره الله تعالى فكيف يكون موصوفًا بالسوء فوجب أن يكون الموصوف بالسوء ما أفاده المثل من تكذيبهم بآيات الله وإعراضهم عنها حتى صاروا في التمثيل لذلك بمنزلة الكلب اللاهث انتهى وليس كما ذكر ليس هنا ضرب مثل والمثل لفظ مشترك بين الوصف وبين ما يضرب مثلًا والمراد هنا الوصف فمعنى {مثله كمثل الكلب} أي وصفه وصف الكلب وليس هذا من ضرب المثل بل كما قال: {مثلهم كمثل الذي استوقد نارًا} أي صفتهم كصفة الذي استوقد وكقوله: {مثل الجنة التي وعد المتقون} أي صفتها وإذا تقرر هذا فقوله ساء مثلًا معناه بئس وصفًا فليس من ضرب المثل في شيء، وقرأ الحسن وعيسى بن عمر والأعمش: ساء مثل بالرفع {القوم} بالخفض واختلف على الجحدري فقيل: كقراءة الأعمش، وقيل: بكسر الميم وسكون الثاء وضم اللام مضافًا إلى {القوم} والأحسن في قراءة المثل بالرفع أن يكتفى به ويجعل من باب التعجب نحو لقضو الرجل أي ما أسوأ مثل القوم ويجوز أن يكون كبئس على حذف التمييز على مذهب من يجيزه التقدير ساء مثل القوم أو على أن يكون المخصوص {الذين كذبوا} على حذف مضاف أي بئس مثل القوم مثل {الذين} كذبوا لتكون الذين مرفوعًا إذ قام مقام مثل المحذوف لا مجرورًا صفة للقوم على تقدير حذف التمييز.
{وأنفسهم كانوا يظلمون} يحتمل أن يكون معطوفًا على الصلة ويحتمل ن يكون استئناف إخبار عنهم بأنهم كانوا يظلمون أنفسهم والزمخشري على طريقته في أنّ تقديم المفعول يدلّ على الحصر فقدره وما ظلموا إلا أنفسهم بالتكذيب، قال: وتقديم المفعول به لاختصاص كأنه قيل وخصُّوا أنفسهم بالظلم ولم يتعدّ إلى غيرها. اهـ.